إلى متى نقول ولا نفعل؟ بقلم حفيظ دراجي |
قرار رؤساء أندية كرة القدم بقسميها الأول والثاني مقاطعةَ البطولة بسبب تأخر تنفيذ السلطات العمومية لوعودها تجاه الأندية - حتى وإن كان مجرد تهديد - يمثل امتدادا لمختلف الاحتجاجات والإضرابات التي تشهدها البلاد منذ مطلع السنة، ويذكّرنا بتلك الوعود والمشاريع والقوانين والقرارات التي نتخذها كل يوم في كل المجالات دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ والتطبيق، حتى فقدنا الأمل في حلول ذلك اليوم الذي نقرر فيه ونطبق ما قررناه، وصرنا نشك في نوايا المسؤولين وإرادتهم وقدرتهم على تسيير الأمور، فسئم الناس الوعود وفقدوا ثقتهم وضاعت مصالحهم ومصالح الوطن وتعطلت عجلة التنمية.
كثيرة هي الإجراءات والقرارات التي اتخذها الرئيس ورؤساء الحكومات والوزراء والمديرون، وكم كانت صائبة وفي محلها ووقتها استجابة للمتطلبات والحاجيات، ولكنّ جلها لم يرَ النور والطريق نحو التطبيق، لأننا لم نكن صادقين ومخلصين عند إصدار القرار، أو لأننا غير قادرين على التطبيق ولا نملك القدرة على التنفيذ والمتابعة والمراقبة، فتراكمت المشاكل وتعقدت، وازدادت الضغوطات والاضطرابات..
- نتحدث عن الاحتراف في كرة القدم بذهنيات هاوية وبمنتخب وطني لا يجد أين يتدرب ولا أين يلعب مبارياته، ومع أننا قررنا منذ زمن إنجاز مراكز تدريب وملاعب جديدة في العاصمة ووهران وتيزي وزو فإننا لم نشاهدها. ومنذ مدة، اجتمع مجلس الوزراء وقرر دعم الكرة الجزائرية ومرافقة الأندية لدخول عالم الاحتراف، لكن الموسم سينتهي بعد فترة قصيرة دون تحقيق الوعود وتجسيد القرارات.
- نتحدث عن التغيير في السلطة والمعارضة ولا ندري ماذا نغير ولا أين ومتى نغير؟ ولا نملك البديل ولا المشروع، ولا نعرف حتى ماذا يريد شعبنا وأبناؤنا لأننا أبعد ما نكون عن انشغالاتهم، ولا نعرف أن التغيير يقتضي ذهاب الوجوه المستفزة التي ما زالت في الواجهة منذ عشرات السنين، ويقتضي تقييم ما قمنا به لحد الآن، ويتطلب أفعالا وليس أقوالا وشعارات.
- يتحدث بعضنا عن إسقاط النظام.. ولا أحد يتكلم عن بناء الدولة والوطن والمواطنة، والكل ينظر ويملك الحقيقة.. ولا أحد يتواضع ويعترف بخطئه وفشله وينسحب من منصبه ويترك مكانه لغيره، وبقي الكلام حبرا على ورق ولا شيء تغيّر.
- نتحدث عن الحرية والديمقراطية ولا نقبل النقد، ونقصي من يخالفنا الرأي ونلصق به كل التهم، ونحسبه عدوا للنظام والدولة ويخدم مصالح أخرى، وكل واحد منا يتفنّن في إعطاء دروس الوطنية والحرية والنزاهة والإخلاص.
- نسمع ولا ننصت لبعضنا بعضا ونحتقر بعضنا بعضا، ولا يعلو أي صوت فوق أصوات الأقوياء والأغنياء والمطبلين والمزمرين الذين يحتكرون التحدث باسم الوطن ويقررون مصائرنا، فيعدوننا بالسكن والشغل والكرامة ولا يوفون بالعهود، فأنجزوا مئات آلاف السكنات ولكن توزيعها لم يكن عادلا، ووفروا آلاف مناصب الشغل غير أنها كانت من نصيب المحظوظين من أصحاب "المعارف والأكتاف".
- يخرج البطال والعامل والطالب إلى الشارع ليعبّر عن مشاعره ومطالبه، ونعدهم بحل مشاكلهم ونتوسل إليهم لكي يلتزموا الهدوء، وبعدها يستفيد الساسة والأحزاب بحصولهم على مزيد من المكاسب، ويبقى البطال بطالا والعامل مقهورا والطالب تائها.
- نتحدث عن مكافحة الإرهاب والإجرام ولا نتحدث عن مكافحة مسبباتهما، ونتحدث عن مكافحة الرشوة والجريمة والفساد والظلم والإقصاء ونهب المال العام، ولكننا كل يوم نسمع عن أمثلتها ووقائعها وعن الفساد المتفشي في الإدارات والمؤسسات، وكم من وزير ووالٍ ومدير متهم لم يحاسب ولم يعاقب، فازداد التذمر واتسعت الهوة بين الحاكم والمحكوم.
- نتحدث عن إعطاء الفرصة للشباب ولكن الكثير من حكامنا ومسؤولينا جاوزوا الستين من العمر، ولا نتذكر هؤلاء الشباب إلا عند الاستحقاقات البلدية والبرلمانية والرئاسية فندعوهم إلى التصويت ثم نتنكر لهم في اليوم التالي.
- الكل يعد ويتغنى بالإصلاح ونقرر القرارات ونسن القوانين ولكن الفساد يتفشى بين كل الأوساط، وتبقى الإجراءات في الأدراج حبرا على ورق دون أن تجد من ينقلها إلى حيز التنفيذ ويتيح لها فرصة التطبيق، وعند تطبيق بعضها تظهر النقائص والعيوب وكأن الذي سنها جاء من كوكب آخر فنتراجع عنها ونسعى لتغييرها مجددا.
في بعض الأحيان نشك في وجود إرادة سياسية ونية صادقة في هذا الوطن للنهوض به، وأحيانا نشك في صدق وكفاءة من توكل إليهم مسؤولية التطبيق والتنفيذ والمتابعة والمراقبة، وفي نهاية المطاف نتأكد أننا لا نحسن تقييم أوضاعنا ولا نملك القدرة على المتابعة والمراقبة، ويصبح من يحكم ويقرر غير قادر على تجسيد أفكاره وقراراته، ومن ينفذ ويطبّق لا يملك الكفاءة المهنية.. أما من يدفع الثمن فهو دائما المواطن "الغلبان".
الشعب تعب وأنهكته الوعود والأكاذيب ولم يعد يصدق أو يثق في المدير والوزير وحتى الرئيس، فتعقدت الأزمة واضطر الجميع للخروج إلى الشارع، وها هي نوادي كرة القدم تضطر للتهديد بمقاطعة البطولة، وغدا لن يذهب التلميذ إلى المدرسة والطالب والأستاذ إلى الجامعة، والعامل والموظف إلى المصنع والمؤسسة؛ ليس بسبب نقص الموارد والكفاءات وغياب النية الصادقة، ولكن بسبب فشلنا في التخطيط والتسيير والتنفيذ وانعدام روح المسؤولية.
الشعب لا يبحث إلا عن حكم راشد يخطط ويقرر وينفذ في كنف العدل والمساواة وقسمة عادلة في الحقوق والواجبات وسعي لحفظ المال العام بدل نهبه وتبذيره وهي الضمانات الكفيلة باستقرار الدولة والشعب، لأن أخطر ما يمكن الوصول إليه هو شعور المواطن بعدم وجود ما يستحق التضحية من أجله، بعدما ضحى بكل شيء ونفد صبره ولم يعد يجد سوى الشارع ومدرجات الملاعب لكي يتنفس، في حين أننا نملك كل القدرات والمقومات والموارد والكفاءات التي تجعلنا نفي بوعودنا ونفعل ما نقول وما نقرر.. فهل نحن فاعلون؟؟!!