مُنْتَدَيَات مُلْتَقَى الاحِبَّة
سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. Img503d28ebd3a1f

乂مُرَحِّبا بِك فِي مُنْتَدَيَات مُلْتَقَى الاحِبَّة乂

عزيزي الزائر نرحب بك للتسجيل معنا

بضغط زر تسجيل في الاسفل

وان كنت عضوا نرحب بك لتسجيل الدخول
مُنْتَدَيَات مُلْتَقَى الاحِبَّة
سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. Img503d28ebd3a1f

乂مُرَحِّبا بِك فِي مُنْتَدَيَات مُلْتَقَى الاحِبَّة乂

عزيزي الزائر نرحب بك للتسجيل معنا

بضغط زر تسجيل في الاسفل

وان كنت عضوا نرحب بك لتسجيل الدخول
مُنْتَدَيَات مُلْتَقَى الاحِبَّة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولالعاب
مواضيع مماثلة
    دخول
    اسم العضو:
    كلمة السر:
    ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
    :: لقد نسيت كلمة السر
    تصويت
    هل أنت ممن يستثمر أوقات الفراغ بقراءة الكتب ؟
    نعم
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. Vote_rcap46%سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. Vote_lcap
     46% [ 58 ]
    لا
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. Vote_rcap22%سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. Vote_lcap
     22% [ 28 ]
    احيانا
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. Vote_rcap32%سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. Vote_lcap
     32% [ 41 ]
    مجموع عدد الأصوات : 127
    بحـث
     
     

    نتائج البحث
     
    Rechercher بحث متقدم
    سحابة الكلمات الدلالية
    بباريس اسماء مؤتمر رواية الفقير تاريخ منتديات الاول fiches استقلت ماذا تعريف الكتاب تحضير بالتاريخ نتائج الاوروبية الصلح تلخيص النهضة توقيع العالم الجزائر الشوارد المنعكس التضخم
    المواضيع الأخيرة
    » صور الممثلة الجزائرية سارة لعلامة
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالخميس 22 سبتمبر 2016, 09:49 من طرف Glimmer of hope

    » نكتة الزوجة المكروهة
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالإثنين 11 أبريل 2016, 19:39 من طرف Glimmer of hope

    » تحميل رواية la femme d'hubert- - marianne heneriet
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالخميس 07 أبريل 2016, 19:50 من طرف Glimmer of hope

    » تحميل رواية Nedjma للكاتب كاتب ياسين
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالخميس 07 أبريل 2016, 19:31 من طرف Glimmer of hope

    » تحميل رواية انت لي لمنى المرشود
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالخميس 07 أبريل 2016, 19:22 من طرف Glimmer of hope

    » تحميل رواية احببتك أكثر مما ينبغي.
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالخميس 07 أبريل 2016, 19:16 من طرف Glimmer of hope

    » تحميل كتاب Maggie a girl of the streets
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالخميس 07 أبريل 2016, 19:08 من طرف Glimmer of hope

    » حريرة الحوت و الكروفات
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالخميس 07 أبريل 2016, 18:23 من طرف Glimmer of hope

    » فوائد الكركم
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالخميس 07 أبريل 2016, 18:16 من طرف wander

    » اللازانيا .
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالخميس 07 أبريل 2016, 17:58 من طرف Glimmer of hope

    عداد الزوار
    مُنْتَدَيَات مُلْتَقَى الاحِبَّة
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

    قم بحفض و مشاطرة الرابط مُنْتَدَيَات مُلْتَقَى الاحِبَّة على موقع حفض الصفحات

     

     سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها.

    اذهب الى الأسفل 
    2 مشترك
    كاتب الموضوعرسالة
    اسماء
    عضو متالق
    عضو متالق
    اسماء


    عدد المساهمات : 167
    تاريخ التسجيل : 24/03/2010
    العمر : 37

    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. Empty
    مُساهمةموضوع: سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها.   سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالثلاثاء 17 مايو 2011, 15:30

    مقتبس من كتاب{سنن القرآن في قيام الحضارات وسقوطها} لمؤلفه محمد هيشور.
    أصل هذا الكتاب هو أطروحة تقدم بها الباحث محمد هيشور لنيل درجة الماجستير في الآداب من جامعة القاهرة. وتأتي محاولة محمد هيشور هذه لتسهم في الكشف عن أهم سنن قيام الحضارات وسقوطها لمن رام استرجاع القيادة الحضارية للأمة الإسلامية من جديد. وسنقف عند أهم الأفكار التي تضمنها هذا الكتاب الذي جاء في 325 صفحة من الحجم المتوسط موزعة على مقدمة وخمسة فصول وخاتمة وقائمة بأسماء المصادر والمراجع.


    السنن في القرآن .. المعنى والمفهوم
    استهل الكاتب دراسته بمقدمة عرض فيها إشكالية بحثه، محِّددا إياها بتلك الثنائية التاريخية المجسدة في قيام الحضارات وسقوطها. وقد اختار الكاتب دراسة هذه الثنائية من خلال ما رسمه القرآن الكريم من سنن لقيام الأمم وسقوطها على مر التاريخ.

    تطرق الباحث في الفصل الأول إلى معنى السنن ومفهوم الحضارة كما يصورهما القرآن. فبعد أن تناول مفهوم السنة لغةً واصطلاحا عند المحدثين والفقهاء والأصوليين، تطرق إلى معناها في الفكر الإسلامي منتهيا إلى تعريفها بأنها: "مجموعة القوانين التي يسير وفقها الوجود كله وتتحرك بمقتضاها الحياة" (ص27)، وهي بهذا المفهوم قسمان: سنن إجبارية وهي التي تجري على كل الكائنات الحية، وسنن اختيارية وهي التي للإنسان قدرة إرادية فيها. فالسنن –بوصفها قوانين ربانية- ترسم للكون مساره وللإنسان طريقه، وهي بذلك تمتاز بالخصائص الآتية:

    أولا: إنها حيادية لا تحابي أحدا بغض النظر عن معتقداته ولونه وعرقه، فهي دائما في صالح من يأخذ بها.

    ثانيا: إنها العامل الأساسي في البناء الحضاري، وهذا يقتضي اكتشافها وتسخيرها في عملية البناء.

    ثالثا: إنها مبنية على منظومة عقدية يجب مراعاتها ونحن نتعامل مع السنن. وفي هذا المقام يعيب الكاتب على الفكر الغربي عدم فهمه الدقيق لموضوع السنن. فهو في نظره لا يؤمن بوجود السنن من حيث إنها حقائق كائنة وثابتة في الحياة، وهو بذلك (أي الفكر الغربي) يبحث في أثر الأشياء وعللها لا في ذواتها وكنهها.

    رابعا: قوانين ربانية وليست حتميات ولا جبريات، أي أنها تتحقق بإرادة الله (عز وجل).

    ويرى الكاتب أن التصور الخاطئ للسنن هو الذي جعل الغرب يصنع حضارة سادها القلق واليأس وغير ذلك من الويلات والمصائب. ومع كثرة سماعنا لهذه المقولة في مناسبات عدة، فإن الكاتب، وهو يردد هذا الحكم عن الغرب، لا يوضح لنا السنن التي لم يأخذ بها الغرب، والتي كانت سببا في قلقه ويأسه. فما ذكره الكاتب بشكل مقتضب يحتاج إلى كثير من التحليل والبيان، وعدم المجازفة بإطلاق أحكام قبل التدليل عليها.

    ويزخر القرآن الكريم بتأصيلات رائعة في موضوع السنن، فهو دائما يوجه أنظارنا إلى استنطاق التاريخ واستقراء الحوادث والأسباب التي حطت أقواما ورفعت آخرين، وهو ما حدا بكثيرين من علماء الإسلام إلى استغلال ذلك لعملية التأسيس التي شملت كثيرا مـن العلوم الطبيعية والتطبيقية.

    والكاتب وهو يؤصل لهذه الفكرة، ينسى ما ذكره في عبارة سابقة من "أن موضوع السنن من أهم القضايا الجديرة بالبحث والدراسة في القرآن الكريم التي غفل عنها المفكرون والمفسرون" (ص32). فلا مجال للغفلة وهم يوظفون السنن ضمن العملية الاكتشافية، التي قادوا زمامها قرونا عديدة.

    ومن جهة أخرى، فإننا نجد طائفة من الفلاسفة والمؤرخين اهتموا بدراسة الأسباب والدواعي التي كانت وراء قيام الحضارات أو سقوطها منهم: ابن سعد (230ﻫ/845م)، وابن مسكويه (421ﻫ/1030م)، والبيروني (440ﻫ/1048م). أما ابن حبان (469ﻫ/1077م)، وهو من المؤرخين السياسيين، فقد حلل تحليلا رائعا سقوط قرطبة وبين الأسباب التي أدت إليه. وأخيرا ابن خلدون (808ﻫ/1405م) الذي توَّج هذا الفقه الحضاري بكتابه الفريد: المقدمة، الذي أَصَّلَ فيه لنظرية الدورة الحضارية التي سيتولى تطويرها مفكرون لاحقون. ويلاحظ الكاتب في هذا الصدد أن إسهام ابن خلدون في دراسة موضوع السنن كان آخر محاولة جادة قدمها العقل المسلم في هذا الشأن.

    ولعل أبرز سمة يركز عليها القرآن الكريم في موضوع السنن هو انضباط الساحة التاريخية والاجتماعية بقوانين تشبه تلك التي تحكم الظواهر الطبيعية، وهي بالتالي سنن ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وطريقة اكتشافها هي السير في الأرض والتأمل في أحوال الأمم، كما أكد ذلك القرآن الكريم فقال تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران:137)، ولكن مصدر معرفة السنن هو الله (عز وجل): (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ((النساء:26).

    أما السنن الإلهية الأخرى فقد ذكر الكاتب منها سنة النصر، وسنة العقاب بعد الكفر، وسنة معادلة الكفار للرسل.

    وتشكل هذه السنن الرؤية الحضارية الكامنة في القرآن. ولذلك فإن الوعي بهذه السنن والعمل بمقتضاها يصنع الفرد المتحضر الذي يتحلى بالأخلاق الفضلى فيسمو على الفرد القانوني، إذ إن سلطة الأخلاق أقوى من سلطة القانون.

    أما عن السنن والصدفة، فقد أكد الباحث أنه ليس هناك مجال للصدفة في هذا الكون، ولاحظ أنه لا يدرك ذلك إلاّ من اعتنق عقيدة التوحيد. وهذا مؤيد بكثير من الآيات مثل قوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرا) (الفرقان: 2).

    أما عن علاقة السنن بالصراع، فيلاحظ الكاتب أن الصراع لا يمكن أن يكون سنة تدفع إلى الرقي والازدهار، لأن الصراع في حد ذاته خارج عن سنن الله التي قضت بقيام المجتمعات على أسس الإيمان والحب والتعاون. وهذا لا يناقض نظرية التدافع الاجتماعي التي جاء بها القرآن، إذ قال تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة:251). فالتدافع سنة يقضي بها على الفساد الذي يحدثه الكفار والمجرمون، ولولاه لما وجد للظلم والانحراف ما يدفعه. لكن القرآن لا ينكر وجود الصراع الذي يحكم كثيرا من الظواهر الطبيعية كما أنه لا يجعلها الأساس المنهجي لتفسير التاريخ. وهو ما يهدم التفسير الماركسي للتاريخ الذي جعل من الصراع منهجا تفسيريا له.

    أما عن السنن والحتمية، فيَعُدُّ الباحث مبدأ الحتمية تجنِّيا على عقيدة الغيب وحرية الاختيار التي زود بها الإنسان، وإن كان هذا الأخير لا ينجو من بعض السنن الحتمية كالفناء الذي يمسّ كل من على الأرض: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان) (الرحمن:26). ولعل أهم نقطة يجب التركيز عليها هي أن السنن لا تجري جريانا آليا حتميا أعمى، بل كل أمر يجري بقضاء الله وقدره. أما عن سنة التوازن، فهي تضمن للحضارة تقدما متوازنا بين حاجات الإنسان الروحية والمعنوية والمادية، وبفقدانها اهتز عرش الحضارة المعاصرة وهي – في رأي الكاتب- آيلة إلى السقوط.


    الحضارة في القرآن الكريم
    انتقل الكاتب بعد هذا إلى تتبع مفهوم الحضارة في القرآن الكريم، وهي في رأيه تلك الروح السامية من الفضائل والخصال الأخلاقية الطيبة التي تعكس نفسها في سائر النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات. والآيات التي تتبعها الكاتب كلها تتعلق بالمعاني العامة للحضارة كالاستقرار، والسلوك السوي، والتأدب، والرغبة في العمران، وتطوير آليات النظم الحياتية، وترقية البنية الثقافية والعلمية للمجتمع، ومستقر هذه المعاني هو المدينة التي تغاير حياة البدو البعيدة كل البعد عن التحضر الحقيقي. والوحي هو مصدر التحضر الخالد باحتوائه كل دعائم التمدن، ولذلك ما فتئت رسالات الأنبياء جميعا تركّز على مبدأ الخلافة الذي يمثل أرقى نماذج الحضارة.

    ولعلي لا أتفق مع الكاتب في اعتبار القرى محطات متحضرة لاستفعال الرسالات السماوية، إذ إن ذلك يشوش على العلاقة بين المكان والرسالة السماوية وتأثير أحدهما في الآخر. ولو سلمنا بفكرة الكاتب لأصبح ذلك مطية لإنكار كثير من الرسالات. فإذا كانت مكة أكثر القرى تحضرا في الجزيرة العربية فبمجرد التركيز على هذا التحضر يسهل نسبة القرآن إلى القوة الأدبية لمجتمع مكة المتحضر، كما تسهل أيضا نسبة المعاني السامية الحضارية التي جاء بها الإسلام في حالة التمدن والتحضر التي كانت تتمتع بها مكة. وهذا خلاف لما يقرره القرآن من أن مكة كانت محرومة من أبسط معاني التحضر، وذلك وصف أهلها بالضلالة: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران: 164)، وأنه يغلب عليهم الجهل والأمية: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُم) (الجمعة: 2)، فانبثاق التحضر من غير التحضر هو المعنى الذي ركّز عليها القرآن.


    الحضارة والتفكير الغربي
    في الفصل الثاني اختار الباحث عددا من المفكرين الذين كانوا – في رأيه- أكثر من غيرهم اهتماما بأسباب قيام الحضارات وسقوطها. فبدأ بكارل ماركس (1883م) صاحب نظرية الصراع الطبقي والثائر على البرجوازية والرأسمالية والقومية والوطنية، وهي أفكار غير متناسقة ولا متكاملة ولا شاملة في تحديد قيام المجتمعات. أما شبنجلر (1936م) صاحب التفسير العضوي للتاريخ، فيؤكد أنه من التناقض دراسة التاريخ بمنهج العلوم الطبيعية الذي هو العلم، بل لا بد أن يدرس بناءً على منهج "التوسم" أي التأمل والاعتبار.

    أما أرنولد تويني (1975م) فقد فسر قيام الحضارات بناءً على عامل التحدي الخارجي والاستجابة الداخلية. وهو بالتالي يتفق مع مالك بن نبي (1973م) – وهو من المفكرين المسلمين المعاصرين- فيكون الاستعمار أحد العوامل الخارجية التي تدفع الشعوب إلى النهوض. وأهم السمات الأساسية التي تطبع نظرية التحدي والاستجابة عند توينبي هي ما يسمى بالوسط الذهبي، وهي وضعية يتم فيها التوازن بين درجة التحدي ودرجة الاستجابة. فأي خلل في إحداهما يؤدي إلى السقوط الحضاري. أما العامل الآخر المنذر ببداية السقوط الحضاري فهو تحول القيادة أو الأقلية المبدعة إلى أقلية مسيطرة مستبدة. فتظهر الاستجابة من طبقة "البروليتاريا" لمقاومة تحدي الأقلية، فيتم السقوط على شكل غزو الأولى للثانية أو على شكل تآكل القوى الداخلية المتناحرة.

    لكن اقتصار الكاتب على ثلاثة فقط من المفكرين لا يعكس الوجهة المتقاربة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي بخصوص قيام الحضارات وسقوطها، فلقد أهمل الباحث محاولة هيجل (1831م) الذي يعتبر عامل الروح من أهم العوامل المؤثرة في صيرورة التاريخ، وأيضا تأكيد هيجل أن التاريخ يسير وفقا لخطة محددة، ومهمة الفيلسوف هي معرفة هذه الخطة". كما أن الباحث أهمل محاولة أوجست كونت (1857م) التي تكللت بنظرية "الوضعية التاريخية" التي تبحث عن القوانين والسنن التي يسير على وفقها التاريخ.


    الحضارة والتفكير الإسلامي
    انتقل الباحث بعد ذلك إلى عرض وجهات نظر المفكرين المسلمين، واختار منهم ابن خلدون، ومالك بن نبي وأبا الأعلى المودودي (1979م). فابن خلدون وهو أول عالم مسلم حاول البحث بدقة في العمران البشري من منطلق سنني. فالحضارة في رأيه تأخذ دائما شكلا دائريا، يدور على ثلاث مراحل:

    المرحلة الأولى: مرحلة البدو حيث السلطة فيها للعادة والحاجة. ثم المرحلة الثانية: مرحلة الدولة حيث السيادة فيها للقوانين والنظام ثم تأتي المرحلة الثالثة: مرحلة الحضر التي تكون السيادة فيها للشهوات والإسراف في الترف. ثم تنتقل الحضارة إلى أمة أخرى لتبدأ دورتها من جديد. وهو التقارب المنهجي الذي نجده مع هيجل، فقد لاحظ بعض المفكرين المعاصرين أن التاريخ في نظر هيجل يسير سيرا خطيا مستقيما، أما عند ابن خلدون فيسير سيرا دائريا، لكن النتيجة واحدة. كما يركز ابن خلدون على مقومات الحضارة كالأخلاق والتحلي بروح المسؤولية وتوافر العامل الجغرافي.

    أما عن سنن سقوط الحضارات فيرى ابن خلدون أن الظلم مؤذن بخراب العمران، واستحكامه مؤذن بتبديد مقاصد الإنسان الضرورية من حفظ الدين والنفس والعقل، والنسل والمال. لكن الباحث وهو يعرض نظرية ابن خلدون في مجال السنن، يهدمها بشكل عجيب عندما يقول: "ولعل أهم ما يؤخذ على ابن خلدون في هذا الموضوع، أن كثيرا من النظريات والقوانين التي انتهى إليها في تفسير شؤون السياسة والملك، وقيام الدول والحكومات وسقوطها لا تصدق إلاّ على تلك الأمم والمجتمعات التي عاش أحداثها، أو قرأ تاريخها، وهي شعوب الشمال الإفريقي من العرب والبربر خاصة..." ويناقض الكاتب قوله هذا عندما يضيف قائلا: "ولقد قدم ابن خلدون أصول منهج تفسير حركة التاريخ وانتقل به من طور السرد والعرض، إلى محاولة استخلاص العبر واستكشاف السنن والقوانين التي تحكم الظواهر الاجتماعية والحضارية، ولذلك كان لابن خلدون فضل السبق والإبداع في مجال اكتشاف سنن التاريخ..." (ص118)، فأي فضل يعزوه الباحث لابن خلدون ما دام هذا الإبداع مبنيا على استقراء جزئي قام به ابن خلدون في شمال إفريقية؟ أي في إطار زماني ومكاني محدود.

    أما المفكر الإسلامي مالك بن نبي فقد غاص في مشكلات الحضارة مركزا على أهم مقوماتها التي تتمثل في: الإنسان والتراب والزمن، ومحاولا بيان العلاقات التفاعلية بينها. وتطور البنية الحضارية –في رأي مالك بن نبي- لا يتم إلاّ على مستويين: الفرد والمجتمع، من حيث أنهما يسيران سيرا منظما وفقا لسنن راتبة مطردة، وأن أي حل لمشكلات الحضارة يجب أن يتم على مستوى مكوناتها أي حل مشكلة الإنسان والتراب والزمن.

    ومنهج ابن نبي في التأصيل السنني لقيام الحضارات وسقوطها يستلهم المنهج الخلدوني في ذلك، ولذلك يؤكد أن الحضارة تمر بثلاث مراحل:

    مرحلة الروح: وهي المرحلة التي تبزغ فيها الفكرة الدينية التي تبعث الروح في الإنسان والتراب والزمن. ثم مرحلة العقل، وهي المرحلة التي تتفجر فيها طاقات الأمة الفكرية والعلمية والحضارية وهي مرحلة الازدهار. ثم مرحلة الغريزة وهي المرحلة التي تطلق فيها الشهوات والنـزوات من عقالها، فيطغى عالم الأشياء في المجتمع، ويضمحل "عالم الأفكار".

    والملاحظ أن الباحث قد خلط بين هذه المراحل، فجعل مرحلة الروح هي مرحلة الازدهار، أما مرحلة العقل فلم يذكرها أصلا، والمرحلة الثانية هي مرحلة ظهور المظاهر السلبية كالانحرافات العقدية، والعقد النفسية، والمظالم الاجتماعية. أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة السقوط والانهيار الحضاري.

    فعندما تشتد الحضارة على سوقها، تقوى شبكة العلاقات الاجتماعية وتسري في الأمة روح "الفاعلية" ويقوى شعورها بمسوغات وجودها، فإذا ارتخت شبكة العلاقات الاجتماعية فذلك إيذان بسقوطها ودخولها مرحلة اللاحضارة.

    أما المفكر الإسلامي أبو الأعلى المودودي، فيرى أن حسن تصور الحياة الدنيا وتحديد الغاية من الوجود وتبني العقائد الصحيحة وإيجاد نظام تربوي صارم وبناء النظام الاجتماعي من أهم العوامل في قيام الحضارات. ويرى المودودي أن الحضارات تسقط بعوامل داخلية وأسباب ذاتية، وأن أية حضارة تنشأ تحمل بذور فنائها في داخلها.


    حتمية سقوط الحضارات
    ويبقى علينا أن نتساءل، هل سقوط الحضارات أمر حتمي؟ لقد ذهبت معظم الأيديولوجيات الدينية والفكرية إلى حتمية السقوط عند استكمال آخر مرحلة من مرحلة الدورة التاريخية والتعاقب الحضاري. لكن تفسير هذه الحتمية والأسباب المؤدية إليها هو ما يشكل نقطة الاختلاف بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي عموما. إلاّ أنني لا أتفق مع الكاتب وهو يساير فكرة الحتمية ويدعي أن التفسير القرآني يقول بها. وفي محاولة لتسويغ ذلك، قال الكاتب "بالحتمية التفاؤلية"، أي أنه بعد سقوط حضارة ما بموجب الدافع الحتمي يمكنها أن تستعيد سيادتها من جديد إذا أخذت بالسنن الموضوعية لقيام الحضارات، خصوصا وأن رأي الكاتب هذا جاء مجردا عن أي دليل نقلي أو عقلي. بل إن ما ثبت في القرآن من الوعد بالنصر والتمكين والاستخلاف للمؤمنين محمول على التأييد وليس على التوقيت، أي تأقت الحضارة بوقت محدد. ولو كان ذلك محمولا على التوقيت لما استحقت الأمة اللوم ولا حتى العقاب لسقوطها الحتمي.


    سنن القرآن في قيام الحضارات
    وبعدما ناصف الباحث كتابه، بدأ يتحدث عن لب الموضوع، ألا وهو سنن القرآن في قيام الحضارات. وقد أحسن فعلا وهو ينطلق من باب المفاهيم والتصورات، فبدأ بالتصور عن الوجود بوصفه عاملا قبليّا وضروريا لقيام الحضارات. فالتصور الذي يقدمه القرآن عن الوجود هو ذاته الذي يتفاعل مع الأسس العقدية الخالدة ويقذف بالأمة في رحم الحضارة منتظرة بذلك وقت ميلادها وتحقيق شهودها. وحبذا لو أن الكاتب توسع في الحديث عن حقيقة التصور للوجود من خلال مستوياته الثلاثة: علاقة الإنسان بالله (عز وجل)، وعلاقة الإنسان بالكون، وعلاقة الإنسان بالإنسان.

    أما العبرة أو الاعتبار، فهي من السنن التي تجنّب الأمم مهالكَ الانـزلاق والسقوط الحضاري. فإذ تأملنا آيات القرآن وجدناها مليئة بأحوال أمم أخذت بأسباب القيام فقامت، وأخرى أخذت بأسباب السقوط فأَفِلَت. وقد كان ذلك منهجا فريدا من نوعه في شحذ فعاليات بناة الحضارة الأوائل. ولذلك فإن أية دراسة تاريخية سننية لا تستلهم روحها من القرآن فنتائجها ودورها في دفع الحضارة ناقص ومعتل.

    ولذلك لاحظ الكاتب أن موضوع "العبرة" لم يدرس دراسة وافية حتى الآن، وهو ما يحتاج إلى دراسة منهجية –في رأيي- تحدد كيف تتم عملية الاعتبار، ومجالاته ووسائله... إلخ، وكنت أتمنى أن يقوم الكاتب بعقد فصل خاص لذلك، خصوصا وأنه قد تعرض لموضوع العبرة في عنصر خاص.

    ويلاحظ أن الباحث قد ركّز فقط على الآيات التي تحكي قصص الأمم الهالكة والتي أخذت بعذاب، وحاول أن يستخرج منها مفهوم العبرة. وكان من المفروض أن يتجه الكاتب إلى التأصيل الشامل لهذا الموضوع ليس فقط في أحوال الأمم الغابرة بل في الأنفس والآفاق، وفي أحوال الأمم الحاضرة كذلك.

    أما السنة الأخرى في قيام الحضارات فهي "العقيدة"، إذ لم تخلُ أمّة من أمم التاريخ من عقيدة تحكمها وتدفعها إلى الأمام، إلاّ أن صفاء العقيدة ونقاءها من شوائب الشرك أضحى ضرورة في عملية قيام الحضارات. ولذلك فانطماس العقيدة وتكدرها بشوائب الشرك مدعاة للسقوط حتما، ولذلك لم ترْحم هذه السنة حتى المسلمين الذين تخلَّوا عن أصول العقيدة يوم من الأيام –كما يذكر ذلك مالك بن نبي- رحمه الله- وإنما تفعيل العقيدة هو الذي تعطل، وسبّب ركودا دام قرونا.

    وهنا نجد سنة "العبادة" وهي الجانب العملي للإيمان، ولذلك كانت العبادة هي العهد الذي أخذه الله تعالى من ظهور بني آدم من قبل، ولأجلها بعث الرسل للتذكير بها وحمل الناس على مقتضياتها. وقضت سنة الله أن لا يكون هناك تمكين واستخلاف في الأرض إلاّ عن طريق العبادة: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئا) (النور:55). ولذلك يتم السقوط إذا تخلى الناس عن العبادة الحقة واتجهوا إلى عبادة الأصنام والطواغيت والمال والشهوات، كما يتم السقوط أيضا إذا حصر مفهوم العبادة في الشعائر التعبدية فقط دون الالتفاف إلى تفعيل العبادة وممارستها حضاريا. وعليه تكون العبادة بهذا المفهوم هي الوحدة المركزية في كل تحركات البشر.


    سنن القرآن في سقوط الحضارات
    جاء القرآن حافلا بجملة من السنن والقوانين التي تتحكم بشكل كلي في سقوط الأمم وحضاراتهم، فقد قص علينا القرآن قصص أقوام دانت لهم المشارق والمغارب من كثرة قوتهم وشدتهم واتساع رقعة ملكهم. وما تفتؤ حضارة أن تقوم حتى تسقط أخرى، وما ينجو قوم حتى يهلك آخرون. كل هذه الظواهر تقع وفق قوانين دقيقة لا تحابي أحدا، الأمر الذي أكده القرآن مرارا. والسقوط الحضاري –كما يؤكد الكاتب- لا يعني دائما فناء الحضارة واندثارها إلى الأبد، بل يأتي أيضا في شكل فتور وغيبا فعلي فتعجز الحضارة حينئذ عن التقدم وتصاب بالجمود فلا تضيف جديدا إلى منجزاتها.

    ويرى الكاتب كما رأى مالك بن نبي – من قبله- أن آية: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم) (الرعد: 11)، هي المحور الكبير الذي تقوم عليه مسألة قيام الحضارات وسقوطها، أي أن الحضارة لها مقومات داخل نفس المجتمع قبل أن تعكس نفسها في شكل الواقع. ولذلك تبدأ عملية السقوط عندما تتغير النفوس وتخلد إلى غرائزها، فترتكب الأخطاء وتتراكم لتتحول إلى أمراض اجتماعية كانتشار الجريمة، والفواحش، والظلم، وتطمس أعين الناس عن إيجاد الحلول النافعة، فيتيهون في مناقشة أعراض أمراضهم دون مناقشة طبيعة الأمراض نفسها وجذورها. وكلما يفرغون من أزمة يغرقون في أزمات أخرى، وهكذا يظل الناس يراوحون أمكنتهم بل يتراجعون وهم يحسبون أنهم يتقدمون، فإذا استفحل الفساد واستشرى الظلم وفسق الناس عن أمر ربهم حق عليهم قول الله تعالى: (فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرا) (الإسراء: 16).

    وفي هذا السياق يتفق الكاتب مع مالك بن نبي في أن القابلية للاستعمار تؤدي إلى الاستعمار، وينطبق هذا على قابليات عدة كالقابلية للتخلف والقابلية للسقوط الحضاري، وهي في حد ذاتها سنة.

    وسقوط الحضارة كما يؤكد القرآن ناتج أساسا عمّا تكسبه أيدي الناس: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)، ويأتي الظلم بوصفه أحد أبرز الكسوب السيئة التي ترتكبها الحضارة بأي شكل من الأشكال. ولعل فرعون أحسن نموذج يقدم للتدليل على أثر الظلم في سقوط الحضارات وبعده انتقلت الحضارة إلى بني إسرائيل، فأراد الله )عز وجل( لهم العزة والتمكين فما أبوا إلا الذلة، فعبدوا العجل وحرفوا الكلم عن مواضعه وقتلوا الأنبياء، فرحلت عنهم الحضارة كما رحلت عن غيرهم.

    وما أهلك الله (عز وجل) أمّة إلاّ بيَّن سبب هلاكها، الذي دائما ما يكون جماعيا وليس فرديا، ومتعلق الهلاك مرتبط بطبيعة الفساد الذي يستشري في أمة من الأمم. ولذلك فهو يتغير من الصاعقة إلى الغرق والفيضان والريح والقحط والأمراض والأوجاع والفتن وضعف الهمم والهوان والتبعية الرخيصة. وممّا تجدر الإشارة إليه هنا أن الله (عز وجل) قد ينـزل مصيبة من أجل الابتلاء وتمحيص المؤمنين: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) (الأعراف:94).

    أما الظلم المؤدي إلى الدمار فكثيرا ما ركّز عليه القرآن الكريم ونبه إلى عواقبه الوخيمة. فقال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص: 59)، وأعظم ظلم يمكن للبشرية أن تقترفه هو الشرك: )إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ( (لقمان: 13)، ثم ظلم النفس بتشويه فطرتها وإغراقها في المعاصي والآثام، ثم ظلم الناس باستعبادهم وهضم حقوقهم وتعذيبهم وقتلهم بغير حق، فكل ذلك مؤذن بخراب العمران.

    ثم تناول الكاتب أخيرا أنواعا شتّى من التكذيب والمعاصي المفضية إلى الهلاك، وهو ما يندرج في إطار ما ذُكر من قبل. فأعظم سمة لهذه السنن – كما أرى- هي التداخل والترابط الوظيفي، أي حدوث سنة الشرك يؤدي إلى سنة التكذيب. وهذه الأخيرة تؤدي إلى المعاصي ثم الظلم ثم الفساد الشامل فالهلاك المدمّر.


    سنن القرآن في التجدد والاستبدال الحضاري
    وينتقل الكاتب إلى الفصل الخامس والأخير فيتحدث عن سنن التجدد والاستبدال الحضاري في القرآن الكريم، وهو الموضوع الذي ينطبق على المسلمين في العصر الحاضر وهم يتوقون لاسترجاع الزعامة الحضارية التي مكّنتهم في العصور السابقة من الازدهار والرقي.

    ويلاحظ الكاتب أن الأمم بعد سقوطها قسمان: أمم هالكة بائدة إلى الأبد: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْما آخَرِينَ) (الأنبياء:11)، وأمم باقية لكنها تتجرع سوء ما كسبت أيديها من أمراض وزلازل وفتن، ومجاعات وغيرها. وهو الحال بالنسبة للأمة الإسلامية اليوم. فإذا أرادت الأمة الإسلامية استرجاع موقعها الحضاري وأثرها العالمي، فلا بدّ لها أن تستعيد شخصيتها ومميزاتها الأولى التي انطلقت منها.

    ويذكر الباحث أن التجدد الحضاري يتوقف على سنتين رئيستين: أولاهما: التغيير الذاتي:

    (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال:53)، وثانيتهما: الإعداد الذاتي: (وأعدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم) (الأنفال:60). لكن ما يجب التركيز عليه على مستوى تغيير الذات هو الرؤية الشمولية في عملية التغيير، أي شمول هذا التغيير كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية والسلوكية.

    وأرى أن ما ذكره الكاتب غير كافٍ للتجدد والاستئناف الحضاري. ذلك أن سنّة من أهم سنن التجدد (الحوار والتبادل الحضاري) أضحت من اللازم اعتبارها في عملية التجديد. فهذه هي السنة التي تجعل مشاريعنا أكثر واقعية وملامسة لحاجاتنا التاريخية. وهي السنة التي تجعلنا نتبنى من غيرنا ما يساعدنا على بناء حضارتنا من جديد. وهي السنة التي يمكن استخلاصها من قول الرسول (ص): "الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها" (رواه الترمذي في كتاب العلم). ومن هنا كان يجب على الكاتب أن يذيل بحثه بتحليل التجربة النبوية التي جسدت أحسن نموذج في قيام الحضارات والحوار الحضاري، ومن ثم استخلاص الدروس الكفيلة بتوجيه مسيرتنا في الحاضر والمستقبل. فالرسول (ص): هو الذي بارك "حلف الفضول" الذي وقع قبل نبوته، أي ضرورة الحوار السياسي مع غير المسلمين، وهو الذي قبل استراتيجية سلمان الفارسي بخصوص فكرة الخندق التي كانت طريقة الفرس في الحروب، وهي إشارة إلى ضرورة الاستفادة مما تقدم فيها غيرنا للمحافظة على الدين والمسلمين. وهو الذي دعا المسلمين المضطهدين لطلب "اللجوء السياسي" عند غير المسلمين في الحبشة، وهي إشارة إلى عنصر الثقة الذي يكنّه المسلم لغير المسلم إذا أظهر عدلا واحتراما لحقوق الإنسان. وكل هذا في – رأيي- يندرج في استراتيجية شاملة للحوار الحضاري من أجل المحافظة على مكتسبات الحضارة الإسلامية.

    ومن أعظم السنن التي جاءت في القرآن سنة التداول: )وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس) (آل عمران:140)، وهي السنة التي قضت بأنّ للأمم والحضارات أعمارا محددة، وأن الأمة لا تسقط حتى تستنفذ مبررات وجودها. لكن هذا التداول لا يبدأ مفعوله بطريقة آلية حتمية. فقد رأينا سابقا أن سقوط الحضارات ليس حتميا، وإنما يتعلق بتغيير ما بنفس القوم. ثم تناول الكاتب أخيرا سنن التمكين والاستخلاف ووراثة الأرض كما عرضها القرآن.


    ملاحظات ختامية :
    الملاحظة الأولى: ركّز الكاتب كثيرا على "حيادية" السنن وثباتها، كما أنه ذكر من بين السنن سنة العقيدة والإيمان. ولم يتنبه الباحث إلى أن ذلك يوقعه في إشكال فلسفي ومنهجي له أبعاده الخطيرة إن لم توضّح. ذلك أن كثيرا من الحضارات التي ذكر الكاتب منها الحضارة الفرعونية، قامت على أسس العمل والمثابرة والمشاريع الضخمة. وهنا أرى أن محاولة الكاتب لم تجب على سؤالين أساسيين:

    § لماذا يعطي الله (عز وجل) مقومات الحضارة أمما – كأمة فرعون- على الرغم من ابتعادهم عن العقيدة الصحيحة؟ أي ما هي آليات التفاعل بين "الأيديولوجية" و"القانون"؟

    § هل الأمم التي أهلكها الله (عز وجل) من قبل كانت حضارات أم مجرد تجمعات بشرية صغيرة؟

    الملاحظة الثانية: تفرع من الملاحظة الأولى أمر مهم، وهو أن مفهوم الحضارة عند الكاتب لم يكن واضحا، فتارة يقدم لنا نماذج حضارات كالحضارة الفرعونية، أي الحضارة في شكلها العمراني والجمالي على الرغم من غياب العقيدة. وتارة يقدم لنا نماذج عن أقوام جمعتهم عقيدة واحدة كبني إسرائيل، ويدرس الكاتب حالتهم على أساس أنها حضارة، على الرغم من عدم بروز أي معلم حضاري إبداعي أو علمي لديهم. وتارة يدرس سنن قيام الحضارات وسقوطها مطبقا إياها على تجمعات بشرية صغيرة. وكان من المناسب والواجب التفريق بني المصطلحات التي ذكرها القرآن الكريم وهو يتحدث عن القيام والسقوط. فقد ذكر القرآن الكريم: الأمة، والقرية، والقوم، والمدينة. فهل يصدق على هذه المجتمعات البشرية اسم الحضارة بمفهومها الشامل؟ وبهذا الخصوص كان لابد من توضيح مفهوم الحضارة كما فهمه أصحاب التغير الحضاري في وقتنا المعاصر.

    الملاحظة الثالثة: أرى أنه يجب التفريق بين نوعين من السنن:

    § السنن الكلية: وهي السنن التي جعلها الله تعالى مفتاحا لقيام الحضارات بمفهومها الشامل. وهذا ينطبق على سنة الإيمان والتقوى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) (الأعراف: 96).

    § السنن الجزئية: وهي السنن التي وصفها الكاتب بالحيادية وهي التي تخدم كل من احترمها ووظفها كما هي، وهذا النوع من السنن هو الذي جعله الله عاما ينطبق على الإنسان بغض النظر عن عقيدته ولونه وعرقه، مصداقا لقوله تعالى: (كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورا) (الإسراء:20).

    إلا أنه يجب التأكيد أنه لا غنى للسنن الكلية عن السنن الجزئية ولا الجزئية عن الكلية، فحضارة تؤمن بالله لكنها لا تكتشف سنن الآفاق والأنفس –وهي سنن جزئية- هي حضارة عطلة، وحضارة تستنطق السنن الجزئية يوما بعد يوم –كالحضارة الغربية اليوم- دون أن تهتدي إلى الإيمان الصحيح – وهو سنة كلية- هي حضارة تائهة أو بالأحرى ضارة لنفسها ونافعة لغيرها عند اكتشافها لسنن الرقي المادي.

    الملاحظة الرابعة: أشار الكاتب إلى أهمية تغيير ما بالنفس وجعل ذلك أساسا لقيام الحضارات أو سقوطها، لكنه لم يشر بنحو كاف إلى هذه السنن، أعني السنن النفسية على مستوى المجتمعات التي ذكرت في القرآن.

    الملاحظة الخامسة: لم يتم الاستفادة من الأبحاث والدراسات المعاصرة في قيام الحضارات وسقوطها عندما عرض الكاتب آراء المفكرين الغربيين في الفصل الثاني، فمعظم هؤلاء الذين اختارهم الكاتب كانوا يتنبؤون بسقوط الحضارة الغربية، وهي ملاحظات تربت نوعا ما على شعور المسلمين وتستدعي أشواقهم لإعادة أمجاد الماضي. لكن عقد التسعينيات شهدت ميلاد فكر جديد وهو فكر "صراع الحضارات" وفكر العولمة (Globalization). فبعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الكتلة الشيوعية تعالت الصيحات لمعرفة من الخصم الجديد للرأسمالية العالمية، وتبين أن سقوط الأمم في العصر الحالي هو سقوط الهوية الثقافية والإيديولوجية الفكرية للأمة. فظهرت نظريات كنظرية هانتنغتن في كتابه صراع الحضارات، التي ترشح حضارتين فقط لدخول حلبة الصراع مع الغرب، ألا وهما الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية، أما المفكر الياباني الأمريكي فرنسيس يوكوياما، في كتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير، فهو يرى أن الصراع بين الحضارات قد انتهى بفوز الديمقراطية التي ستكون الإيديولوجية المحركة للعالم في المستقبل.

    والذي يهمنا في هذا الشأن هو الأمور الآتية:

    § ما مدى اقتناع المسلمين بأن المعاصرين بفقه الصراع الحضاري المعاصر؟

    § ما مدى وعي النخبة بقوانين الصراع الفكري التي أضحت ضرورية للحفاظ على الخطوط الفكرية للدفاع عن الأمة.

    الملاحظة السادسة: وهي ملاحظة تتعلق بمنهج الكتاب وموضوعاته.

    § كان من الأحسن لو قسم الكاتب موضوعات الكتاب إلى الأساسية والفرعية. أما التقسيم الذي اختاره الكاتب فهو أشبه بعناوين عامة بعيدة عن التقسيم المعتمد في البحوث العلمية المركزة.

    § كان من الأحسن لو نهج المنهج التأصيلي في معالجته للأفكار، أو محاولة ربط جزئيات الأفكار بالفكرة العامة التي يتحدث عنها، وفقدان هذا المنهج جعل الكاتب يكرر كثيرا من الأفكار.

    وأخيرا أرى أن هناك مبحثا مهما قد أهمله الكاتب وهو (سنن القرآن في الحفاظ على المنجزات الحضارية)، أي سنن القرآن في الحفاظ على الحضارة بعد قيامها، وهي السنن التي تفعل مفعولها في الدورة الثانية من دورات الحضارة وهي مرحلة العقل والانتشار الاستخلافي.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    éMy DoUçé
    عضو متطور
    عضو متطور
    éMy DoUçé


    عدد المساهمات : 510
    تاريخ التسجيل : 10/04/2012
    العمر : 32

    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها.   سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. I_icon_minitimeالخميس 12 أبريل 2012, 12:53




    شكرا لك
    بارك الله فيك
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها. 537692

    éMy DoUçé
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    سنن القرآن في قيام الحضارات و سقوطها.
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » لفظ (الذكر) في القرآن الكريم

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    مُنْتَدَيَات مُلْتَقَى الاحِبَّة :: ¨°o.O(..المنتديات التعليمية..)O.o°¨ :: منتدى التعليم الجامعي :: منتدى العلوم السياسية و العلاقات الدولية-
    انتقل الى: