قصور الغدة الدرقية

يمكن تشبيه الجسم بالسيارة من وجوه عدة فالجسم كالسيارة يحتاج الى الوقود، لكن وقود الجسم ليس البنزين بل هو السكر. والجسم والسيارة يحرقان الوقود لاستخلاص الطاقة الضرورية للحركة. لكن السيارة تنظم سرعة احتراق الوقود عن طريق جهاز الكاربوراتور، فمن ينظم سرعة احتراق الوقود في الجسم؟

الغدة الدرقية كاربوراتور الجسم

تقع الغدة الدرقية Thyroid Gland في مقدمة العنق، وتحيط بالقصبة الهوائية (الرّغامي)، وتقوم هذه الغدة في تنظيم معدلات استهلاك الطاقة في العديد من الأنسجة، وذلك من خلال ما تفرزه من مواد هورمونية.
إن زيادة (أو تقليل) إنتاج الغدة الدرقية لهورمونها المسمى ثيروكسين Thyroxine (والهورمون الاخر المسمى T3) يؤدي الى زيادة (او تقليل) سرعة الاحتراق وبالتالي تنظيم شدة ووتيرة الاعمال الحياتية في اكثر خلايا البدن. لكن الغدة الدرقية لا تتمتع بالاستقلال الكامل ولا بالحكم الذاتي في البدن، وليست حرة في تنظيمها لمعدلات استهلاك الطاقة، بل تتلقى اوامر صارمة من «الحكومة المركزية» للغدد الصماء وبالذات من موقع الرئاسة المتمثل بالغدة النخامية Pituitary Gland التي تضبط سلوك غالبية الغدد التي تفرز الهرمونات في الجسم.

التنسيق بين الغدة الدرقية والغدة النخامية

تسيطر الغدة النخامية على عمل الغدة الدرقية عن طرق آلية تسمى بالتغذية العكسية Feed back mechanism وذلك بالكيفية الآتية: تطلق الغدة النخامية (رئيسة الغدد والموجودة في الجمجمة بين شقي الدماغ) تطلق في مجرى الدم هورمونا يسمى الهرمون المنبّه للدرق TSH الذي يحفز الغدة الدرقية على افراز هورمونها (الثيروكسين) في مجرى الدم بصورة متزايدة، فاذا وصل مستوى الثيروكسين في الدم الى حد الكفاية اللازمة لتنظيم استهلاك الطاقة تحسست الغدة النخامية (رئيسة الغدد التي تفرز الهرمونات) فتوقفت عن افراز الهورمون المحفز للدرق TSH مما يؤدي الى انخفاض افراز الثيروكسين من الغدة الدرقية. لكن الانخفاض المتزايد للثيروكسين ينبه الغدة النخامية مرة أخرى فتبادر الى افراز الهورمون المنبه للدرق TSH ليحفز الغدة الدرقية على افراز هورمونها من جديد، وهكذا يستمر تفاعل الغدتين من اجل ضبط مستوى هورمون الغدة الدرقية (الثيروكسين) في الحدود اللازمة لافضل مستوى لاستهلاك الطاقة مما يلائم حالة الجسم الفيزيولوجية والنشاط المطلوب لحفظ النشاط العام حسب الحاجة.
ان اختلال افراز الغدة الدرقية -زيادةً أو نقصا- يؤدي الى أمراض خطيرة عند الكبار والصغار، الذكور والاناث، فزيادة الافراز Hyperthyroidism تؤدي الى ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة بلا مبرر، الامر الذي يستنفد طاقة الجسم ويؤدي الى الهزال والضعف والنحافة، بينما تؤدي قلة افرازها Hypothyroidism الى الخمول وقلة الحركة والسمنة بسبب عدم استهلاكه الطاقة وتوفيرها بلا مبرر، ويصاب المرء بحالة من الجمود أو البطء في الحركة وهبوط في مجمل الفعاليات البدنية، وهذا ما نتناوله في هذه المعالجة.

البداية عند الولادة

قد يظهر قصور الغدة الدرقية منذ الولادة، فمن بين كل 4000 مولود جديد نجد واحدا مصابا بقصور الغدة الدرقية (نقص في هورمون الثيروكسين)، والأطفال المصابون بهذه الحالة يتسمون بالإعاقة الذهنية ونقص النمو وقصر القامة مع التشوه الجسدي والوجهي حيث يبدو الطفل بوجه يشبه وجه العجائز في تجاعيده، ومالم يتم إكتشاف الحالة وعلاجها (باعطاء الهورمون الناقص) في وقت مبكر فان التخلف العقلي واعاقة النمو قد يستعصيان لاحقاً على العلاج.

قصور الغدة الدرقية عند الكبار

قصور الدرقية (نقص الثيروكسين) يصيب النساء أكثر من الرجال وغالبا ما يبدأ على اعتاب الخمسينيات من العمر، يمتاز بانخفاض معدل النشاط في جميع الفعاليات تقريبا، فيبدو المصاب بطيء المشي، بطيء الكلام قليل الحديث لكنه يتمتع بصوت أجش غليظ. اضافة الى البطء في النشاط العضلي فان امعاء المريض ايضا تكون قليلة النشاط، وهكذا فإن الامساك من ميزات هذا المرض.
ورغم ان المريض ضعيف الشهية قليل الطعام فان السمنة تظهر عليه وذلك لأن الطعام القليل هو في الواقع اكثر من حاجة جسمه بسبب قلة استهلاك الطاقة وبالتالي يعمد الجسم الى تخزين الغذاء الزائد عن الحاجة.
يبدو وجه المصاب بقصور الغدة الدرقية متجعدا متجهما بعينين منتفختين وغائرتين، اما الجلد فيبدو سميكا خشنا مع شحوب بسبب درجة خفيفة من فقر الدم تصاحب الحالة. وبسبب بطء عملية الاحتراق وتوليد الطاقة فان درجة حرارة الجسم تنخفض ويشعر المصاب بالبرد، وهذه من العلامات المبكرة للمرض التي يلاحظها احد الزوجين الذي ينتبه الى ان شريك سريره يحتاج الى غطاء اضافي في ليالي الشتاء، ولا يشكو من الحر في ايام الصيف. كذلك يزداد النوم ويلاحظ الاقرباء القريبون من المصاب انه لم يعد عصبيا ان كان كذلك سابقا، أو انه اصبح بارد العواطف ولم يكن كذلك من قبل. وهذه الظاهرة تعود الى هبوط النشاط الذهني كجانب من هبوط النشاط العام.
اما الشعر فيخشوشن ويتقصف ويزداد معدل سقوطه، فاذا اضفنا خشونة الشعر الى خشونة الجلد وسماكته الى جمود تعابير الوجه وانتفاخ العينين، أصبحت لدينا صورة كاملة عن الضرر الجمالي البالغ الذي يلحق بالمرأة التي تتشبث ببقية جمالها على اعتاب الخمسين، لكن هذه المرأة لا تهتم للامر بسبب هبوط نشاطها الذهني وبرودها النفسي والجنسي.
وهناك حالة اخرى يتم تجاهلها عادة ًوهي زيادة النزف الرحمي، فنقص الثيروكسين يؤدي الى زيادة الطمث وطول مدته، وهو أثر مباشر لنقص الهرمون، لكن السيدات يعتبرن هذه الحالة مقدمة لسن اليأس الذي يقترن مع أوج ظهور مرض قصور الغدة الدرقية. وأذكر أنني استقبلت مرة في المستشفى الجامعي مريضة بعثتها الي اخصائية في الامراض النسائية لاجراء استشارة قلبية قبل اجراء عملية جراحية لها. كانت الطبيبة النسائية تريد اجراء جراحة تشخيصية لها في محاولة للعثور على سبب لزيادة الطمث حيث فشلت الفحوص النسائية الروتينية في العثور على سبب لزيادة النزف من الرحم. لكنني، ومنذ دخول المريضة، لاحظت وجهها المنتفخ، ولما خطت امامي بضع خطوات لاحظت بطء حركتها، وعندما تكلمت معي لاحظت خشونة صوتها، وباللمس شعرت ببرودة جلدها ولاحظت هبوط نبضها، وسألتها عن الصيف والشتاء فوجدتها تفضل الدفء وترتاح الى الصيف وتتضايق من الشتاء الذي تشعر به قبل الآخرين، وفي الربيع تغلق الشباك في وقت يريد الآخرون فتحه، وتلبس البلوزة والاخرون يكتفون بالقميص. كما سألتها عن شهيتها فوجدتها ضعيفة رغم بدانتها الظاهرة، وسألتها عن حركة الامعاء فوجدتها تحتاج الى افراغ الامعاء مرة كل ثلاثة ايام. وفحصت انعكاساتها العصبية فوجدتها بطيئة. وباجراء تخطيط القلب الكهربائي لاحظت بوضوح انخفاض قوة كهربائية القلب Low voltage (مع علامات اخرى).
اكتملت عندي الصورة فكتبت الى اخصائية نسائية ان النزف النسائي الذي تعاني منه هذه السيدة هو على الارجح بسبب اصابتها بقصور الغدة الدرقية وانه ينبغي قياس هورمون الثيروكسين للتأكد من التشخيص. وفعلا أثبت فحص الدم انخفاض مقدار الثيروكسين (مع ارتفاع درجة الهرمون المنبه للدرقية TSH) مما جعل التشخيص قطعيا ونجت المريضة من عملية جراحية لا لزوم لها وذهبت الى بيتها لتستخدم اقراص الثيروكسين مدى الحياة.
من بين كل 4000 مولود جديد نجد واحدا مصابا بقصور الغدة الدرقية, وهو يتسم بالإعاقة الذهنية ونقص النمو وقصر القامة مع تشوه الوجه حيث يبدو الطفل بوجه يشبه وجه العجائز في تجاعيده.
الغدة الدرقية تفرز هرمون الثيروكسين الذي ينظم معدل استهلاك الطاقة في الجسم، وبازدياد الهرمون يزداد النشاط والانتباه وبقلته يسيطر الخمول ويزداد النوم.
نقص الثيروكسين عند الكبار يؤدي الى ضعف عام وبطء الحركة وسرعة التعب وتباطؤ النبض وكثرة النوم والامساك وعدم تحمل البرد وازدياد الوزن رغم قلة الشهية.

منقول للامانة

شكرا لك
بارك الله فيك

éMy DoUçé