مقدمــــــــــة
لقد ساهمت العلاقات الاقتصادية الدولية في تطوير الاقتصاد العالمي بشكل فعال والذي أصبح له هيكل خاص به وآليات وفعاليات تحكم سلوك ومعاملات الأطراف المتقابلة في أسواقه، كما يحفل بالعديد من التنظيمات والسياسات التي يستعان بها في حل معضلاته على المستويين النقدي والمالي، ولقد تنامى الاهتمام بواقع الاقتصاد المشار اليه ومشكلاته على الصعيد العلمي والعملي في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين بعد أن اجتاحت العلاقات القتصادية الدولية أزمة عارمة في أوائل السبعينات في أعقاب فترة من الرواج الاقتصادي المؤقت وغير المسبوق الذي شهدته العديد من اقتصاديات الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة.
ولقد عبرت تلك الأزمة عن نفسها بعدد من السمات الجوهرية تجلت على وجه الخصوص في بروز ظاهرة التضخم والتي اتسمت بها الاقتصاديات المتقدمة والسائرة في طريق النمو على حد سواء، وعلى اعتبار أن هذه الأخيرة ظاهرة تتصل بالكثير من العلاقات التي تربط بين العوامل والقوى المؤثرة في حركة المتغيرات الاقتصادية وأهمها مستويات الائتمان، حركة النمو الاقتصادي، وحركة استحداث التنمية، ولقد برزت مشكلة التضخم حديثا ضمن الدراسات الاقتصادية التي قام بها الاقتصاديون وخاصة الرأسماليون منهم.
ولعل متعة البحوث المتعلقة بموضوع التضخم تتجلى في أهميته وحداثته من حيث كونه ظاهرة تشكل عبئا على الاقتصاد، وعائقا امام استحداث التنمية، ومن هنا ظهر واضحا للعيان أن التضخم ما هو الا مشكلة اقتصادية حتمية لا غنى لأي اقتصاد عنها، مما أدى بالمفكرين للبحث، والكتاب ورجال الاقتصاد في مواقع العمل الى التقدم بسياسات علاجية، وبالرغم من أن معدلات التضخم هدأت نسبيا في العديد من الدول خلال تسعينات القرن العشرين، الا أن مشكلة التضخم ما زالت قائمة، والاشكال لا يكمن فيها وانما يكمن في كيفية استخدامها كوسيلة، والتحكم فيها بالوسائل الخاصة لتحقيق الآفاق المرجوة مستقبلا.
وباٍعتبار الجزائر ضمن الدول التي تسعى بكل الطرق لتحقيق تنمية شاملة لمختلف الميادين وذلك بتوظيفها لكل ما تتوفر عليه من امكانيات، مؤهلات ومقومات، وجد الاقتصاد الجزائري نفسه مجبرا على التعاون مع هذه الظاهرة بالرغم مما تحمله من معاني الكبح والتشاؤم والسعي الى تخفيض حدة أثرها باٍستعمال كل الطرق والأساليب.
ولاٍثراء هذا البحث قمنا بوضع عدة تساؤلات، حتى يتسنى لنا دراسته بشكل واضح، وتتمثل فيما يلي:
1. ما المقصود بظاهرة التضخم وما هي مسبباته، أنواعه وآثاره؟.
2. ما هي السياسات المتبعة لمكافحة التضخم؟.
3. كيف هي ظاهرة التضخم في الجزائر؟
4. ما هي آثار التضخم على الاقتصاد الجزائري؟.
5. وما هي الطرق والوسائل التي اتبعتها الجزائر لمكافحة هذه الظاهرة؟.
ونتيجة لهذه الأسئلة فاٍنه لدينا عدة فرضيات تتمثل في:
1. ظاهرة التضخم ظاهرة اقتصادية تتجلى من خلال ارتفاع الأسعار.
2. عادة يتم انتهاج كل من السياستين النقدية والمالية لمواجهة التضخم.
لقد كانت لدراستنا هذه حدود من ناحية الزمن ومن ناحية الموضوع المدروس، فمن ناحية المكان فقد تم تسليط الضوء على الجزائرأما من ناحية الزمن فتبدأ دراستنا من 1994 وتمتد الى غاية 2004 ، اما من ناحية الظاهرة المدروسة فقد اعتمدنا على مقاربة من المقاربات التالية:
المقاربة الأولى: تأثيرالتضخم على برامج التنمية المستديمة.
المقاربة الثانية: التضخم والسياسات المتبعة لمكافحته.
والمقاربة التي نكتفي بدراستها هي المقاربة الثانية، وذلك من خلال توضيح مفهومه و تبيان مختلف السياسات المنتهجة للحد منه.
ولتحليل الموضوع تحليلا منطقيا ، كان لابد علينا انتهاج المنهج الاستنباطي من خلال سرد كل المفاهيم المتعلقة بالتضخم وكذا سياسات مكافحته وذلك من خلال أداته المتمثلة في التوصيف.
وللاجابة على الاشكالية أعلاه اقتضت الدراسة تناول الموضوع في فصلين:تسبقهم مقدمة وتليهم خاتمة عامة تضم كل النتائج المتوصل اليهافي هذا البحث.
تم تخصيص الفصل الأول لدراسة مفاهيم عامة حول التضخم والذي يضم ثلاث مباحث حيث تناولنا في الأول أسس التعريف بالتضخم، أما في الثاني قمنا بتوضيح أنواعه ،أسبابه وأثاره والمبحث الأخير بينا فيه السياسات المتبعة لضبطه. وبالنسبة للفصل الثاني تم تخصيصه لدراسة ظاهرة التضخم في الجزائر وطرق مكافحته منذ 1994 الى غاية 2004. والذي ضم بدوره ثلاث مباحث حيث خصصنا الأول لتبيان أنواع وأسباب التضخم في الجزائر، والثاني لتوضيح آثاره على الاقتصاد الجزائري والأخيرلتبيان أثر الاصلاحات على السياسات المتبعة لمكافحة التضخم 1994 الى 2004.