الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد.
فقد اطلعت لجنة الفتوى بموقع الفقه الإسلامي على السؤال الوارد إليها برقم ( 10 )، ونصه الآتي:
بعض المتقدمين إلى الصندوق العقاري يقوم ببيع القرض الممنوح له بعد نزوله، وذلك مقابل مبلغ من المال، يصل في بعض الأحوال إلى خمسين ألف ريال، يدفعه المشتري الراغب في الاستفادة من القرض إلى مستحق القرض، فما حكم هذا العمل؟
وبعد الاطلاع والدراسة، فإن أمانة موقع الإسلامي قد عقدت ندوة في يوم الاثنين 12/5/1431هـ بعنوان " المعاوضة على الحقوق والالتزامات وتطبيقاتها المعاصرة" وهي الفعالية الحادية عشرة من فعاليات الموقع، وقد كانت مسألة الفتوى من أبرز فقرات الندوة، وعقدت كذلك حلقة نقاش إلكترونية على صفحات الموقع لنقاش هذه المسألة.
وقبل الشروع في بيان الحكم، يحسن التصدير ببيان واقع هذه المسألة حسب ما يقوم به الطرفان، والذي يكون على النحو الآتي:
بعد أن يتفق الطرفان: البائع والمشتري، على بيع القرض بالمبلغ المذكور، عن طريق كتابة مبايعة، يحصل الإشهاد عليها، وحتى يتمكن المشتري من الحصول على القرض لا بد من فعل الإجراءات الآتية:
أولا: يقوم المشتري ببيع صاحب القرض قطعةَ أرض بيعا صوريا، ويقوم بإفراغها له في المحكمة بشكل نظامي تام.
ثانيا: يقوم البائع بتقديم قطعة الأرض التي أصبحت نظاميا باسمه للصندوق العقاري لنقل القرض عليها.
ثالثا: يتم تنزيل دفعات القرض باسم البائع، الذي هو المدين الفعلي للدولة.
رابعا: يقوم البائع باستلام أول دفعة من دفعات القرض باسمه، ثم يدفعها إلى المشتري.
خامسا: يقوم البائع بتوكيل المشتري وكالة نظامية في استلام بقية دفعات القرض من البنك.
سادسا: بعد الانتهاء من استلام جميع الدفعات وانتهاء العمارة، يقوم البائع بتسديد قسطين للدولة، يأخذهما من المشتري؛ حتى يتمكن فعليًّا من نقل القرض.
سابعا: بعد تسديد القسطين يقوم الطرف الأول بإعادة الأرض ثانيةً للمشتري، وذلك عن طريق بيعه إياها، بيعا نظاميا عن طريق المحكمة.
وفي الأخير يصبح المشتري هو المدينَ للدولة بالقرض.
وبعد هذا البيان أجابت اللجنة بما يأتي:
إن هذا البيع محرم، ولا يجوز؛ وذلك لاشتماله على جملة كبيرة من المحاذير، منها الآتي:
أولا: أنه مخالف لنظام ولي الأمر، والذي وُضع في المرتبة الأولى من أجل مصلحة الناس، وقد قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }النساء-59.
ثانيا: اشتماله على الكذب والتدليس والغش والخداع، وذلك يتضح في الآتي: إيهام الجهات الرسمية أنَّ الأرض مملوكةٌ لصاحب القرض، وليست كذلك، وذلك يتم بإجراء عقد البيع الصوري، مع حصول شهادة زور عليه، مع التحايل على الدولة في استلام دفعات القرض لغير من هو باسمه، وذلك عن طريق توكيل البائعِ المشتريَ في القبض.
ثالثا: أنه مدعاة للخصومة والنزاع، ولو لم يكن من أوجه التحريم إلا هذا الوجه لكان كافيا، وتتضح هذه المفسدة بصورةٍ معاصرةٍ، فبعد أن أصدر خادمُ الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله تعالى العفوَ عمَّن توفَّى من المقترضين من الصندوق، أفضى ذلك إلى وجود نزاعٍ كبيرٍ جدا في المحاكم الشرعية بين المشترين وورثة البائعين، وهذا بدَوْره يفصح عن سوء عاقبة هذا التصرف.
رابعا: أنه من بيع الإنسان ما لا يملك؛ وذلك أن ملكَ المقترضِ الأصليِّ لهذا الحق ملكُ انتفاع، وملكُ الانتفاعِ لا يخوِّل صاحبَه المعاوضةَ ببيعٍ أو إجارةٍ ونحوه، وقد جاء في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على هذه المسألة: "هذا ليس بجائز؛ لأن حق الإنسان في البنك العقاري حق انتفاع، فإن كان لا زال في حاجة للانتفاع بهذا القرض فليفعل، وإن لم يكن في حاجة فعليه أن يدعه".
خامسا: يرى بعض العلماء أن هذه المعاملة مشتملة على الربا؛ ووجه ذلك أن هذا البيع معاوضة على نفس القرض بزائد عليه، فالمشتري يدفع مبلغا لمستحق القرض مقابل تنازله عنه، ثم يؤول الأمر إلى انشغال ذمته بكامل القرض الذي يقوم بتسديده، فيكون قد سدَّد مبلغَ القرضِ، ومبلغاً زائدًا عليه، وهو ما دفعه ابتداءً للمقترض الأصلي، فإذا قُدِّر أنه دفع للبائع خمسين ألفَ ريالٍ مقابلَ التنازل، والقرضُ ثلاثمائةُ ألف ريال، فيكون حقيقة الأمر أنه أخذ قرضا مقداره ثلاثمائةُ ألفِ ريال، في مقابلِ ثلاثمائة وخمسين ألف ريال.
ومن خلال ما تقدم تبين أن هذه المعاملة قائمةٌ على الكذب والغش والخِداع والتحايل على الأنظمة التي وضعتها الدولة لمصلحة الناس، وأكل أموال الناس بالباطل، مفضيةٌ إلى النزاع والخصومة، ومن ثَمَّ فالقول بتحريمها هو ما تقتضيه نصوصُ الشرع الحكيم وقواعده، وبمنع هذا البيع صدرت فتوى اللجنة الدائمة، وهو ما اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وجمع كبير من العلماء المعاصرين.
وهذا الحكم ينسحب حتى فيما إذا كان التنازل مجانا؛ إذ يستلزم هذا الوقوعَ في الكذب والتدليس والتحايل على أنظمة الدولة.
والمخرج الشرعي: في حال ما إذا نزل القرض، ولم يكن بصاحبه حاجة إليه، وأراد أن يستفيد منه، فإن له أن يعقد مشاركةً بينه وبين الراغب في شراء القرض، على أن يقوم الأول بدفع الأرض، والقرض الذي نزل عليها، ويقوم الآخر بالعمل عليها، أو إضافة مبلغ من المال مع العمل ونحوه، ثم بعد الانتهاء من البناء، فهما بالخيار: إما أن يتخارجا، وإما أن يقوما ببيع المبنى ويتقاسما الربح.
وفي الأخير تناشد لجنة الفتوى بموقع الفقه الإسلامي الجهات المسؤولة بالصندوق العقاري، بإيجاد نظام يسهل مسألة التنازل رفعاً للحرج عن المسلمين، وبعدا بهم عن الوقوع في المحاذير الشرعية.
والله أعلم.
الموافقون على الفتوى (11) من أعضاء اللجنة:
1. أ.د عبد الله بن محمد الطيار
2. د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
3. أ.د محمد الزحيلي
4. د إبراهيم فاضل الدبو
5. د. قيس بن محمد آل الشيخ مبارك
6. د. هاني بن عبد الله الجبير
7. د. محمد بن عبد اللطيف البنا
8. الشيخ سليمان بن عبد الله الماجد ( يرى أن وجه التحريم الأسباب الثلاثة الأولى فقط).
9. الدكتور عبد الرحمن بن أحمد الجرعي ( يرى أن وجه التحريم الأسباب الثلاثة الأولى فقط).
10. الدكتور خالد بن عبد الله المزيني. ( يرى أن وجه التحريم الأسباب الثلاثة الأولى فقط).
11. الدكتور عقيل المقطري ( يرى أنه وجه التحريم الأسباب الثلاثة الأولى فقط)